الهوية الوطنية اليمنية: بين الجذور الحضارية والمقاومة المستمرة

فتحي أبو النصر :

في قلب جنوب الجزيرة العربية، تقبع اليمن، تلك الأرض التي شهدت ميلاد أعرق الحضارات وأصالتها، فكانت ولا تزال واحدة من أقدم المراكز الثقافية في العالم. اليمن الذي يذخر بشعبه الذي لا يقهر، يمتاز بتاريخ طويل من الصراع على هويته الوطنية التي لا تقبل المساومة أو التأثر بأي نزعة دخيلة تفرغها من محتواها الحضاري العميق.

وها نحن اليوم، نعيش لحظة تاريخية فاصلة، تحت رعاية رئيس مجلس القيادة الرئاسي د. رشاد العليمي، ومحافظ تعز، أ/ نبيل شمسان، في مهرجان يوم الوعل اليمني، الذي تنظمه مؤسسة معد كرب الثقافية بالتعاون مع مؤسسة صروح للتنمية الثقافية والإنسانية. هذا المهرجان لا يمثل مجرد حدث ثقافي، بل هو تأكيد على إصرار الشعب اليمني في تمسكه بجذوره، ورموزه الحضارية، وتعبير عميق عن رفضه لأي محاولة لطمس هويته الوطنية الأصيلة، تلك الهوية التي لا يقدر على تغييرها أو التأثير فيها أي تيار دخيل أو موروث سلالي يهدف إلى تفتيت تاريخ الأمة وتجريدها من خصائصها الفريدة.

إن الهوية اليمنية هي نتاج تفاعل طويل بين الإنسان اليمني وبيئته المتنوعة، بين حضارات قديمة ارتبطت بالإنسان على مر العصور، بدءاً من حضرموت ومعين سبأ واوسان وقتبان وحمير، مروراً بعصر الإسلام الذي أسس لمرحلة جديدة من التلاقح الثقافي والفكري، وصولاً إلى العصر الحديث الذي شهد مزيجاً من النضال الوطني ضد الاستعمار ومن ثم ضد مشاريع التفتيت والتقسيم.

ولكن، وفي قلب هذا السياق التاريخي العظيم، تبرز اليوم محاولة جديدة لفرض نموذج سياسي واجتماعي سيظل غريبا عن الشعب اليمني، نموذج يتبنى أفكارا وممارسات غير وطنية، ممثلة في مشروع الكهنوت السلالي الذي يسعى للعودة باليمن إلى حقب تاريخية غير مدنية، تهدف إلى تكريس الفوارق العميقة بين اليمنيين بناءً على أيديولوجيا متخلفة تدعي تفوق فئة معينة على باقي الشعب.

إن هذه المحاولات ليست جديدة في تاريخ اليمن، بل هي امتداد لمحاولات عديدة استهدفت طمس الهوية اليمنية وتشويه تاريخها المشرف. إلا أن الشعب اليمني، الذي أبهر العالم بمقاومته للغزاة عبر العصور، أثبت على الدوام أنه لن ينكسر ولن ينحني لأي سلطة تسعى لطمس هويته الوطنية الأصيلة.

وفي هذا السياق، تأخذ المساعي الحديثة لتكريس الهوية الوطنية اليمنية طابعا فلسفيا عميقا، يتجاوز مجرد التمسك بالتراث ليصل إلى قاع النفس اليمنية، حيث تلتقي الجذور والآمال. تلك الجذور التي تتمثل في تاريخ طويل من النضال والتعايش بين مختلف فئات الشعب اليمني، فيما يتفق الجميع على ضرورة الحفاظ على تنوعهم الثقافي والعرقي والقبلي، وفي نفس الوقت، على تعزيز الوحدة الوطنية والانسجام الاجتماعي.

وهكذا فإن الجذور الوطنية لليمنيين ليست مجرد ذكرى لماض ماض، بل هي مصدر إلهام ومبادئ ثابتة توجه مسار المستقبل. بل إنها تعبير عن قوة لا تنكسر،و عن إرادة مقاومة لا تعرف اليأس،و عن تفاؤل دائم رغم الصعوبات، وعن رؤية عميقة للقادم ، رغم الأزمات الراهنة إذ أن الوحدة الوطنية اليمنية، التي هي أساس هويته، لا ترتكز على أي تقسيمات سلالية أو طائفية، بل على هوية جامعة لجميع أبناء اليمن، مهما اختلفت أصولهم.

وفي هذا السياق، تتأكد لنا أهمية الاحتفاظ بالهوية اليمنية عبر العمل الثقافي، السياسي والاجتماعي. من هنا فإن مهرجان يوم الوعل اليمني، الذي يعكس روح اليمن العظيم، هو فرصة لإعادة التأكيد على أن اليمن هو الأرض التي نشأت فيها أعرق الحضارات، وأن الشعب اليمني، بمختلف أطيافه، متحد في مقاومته لكل محاولات تدمير هذه الهوية.

كذلك فإن الهوية اليمنية اليوم لا تعني مجرد الحنين إلى الماضي، بل تعني تفعيل القوى الوطنية لتصعيد معركة الاستقلال عن أي هيمنة على الشعب.

وبالتأكيد يبقى التمسك بالجذور التي لا تنفصل عن أرضها وناسها.

ثم إن هذه الهوية اليمنية ستظل ترفض أي محاولة لتقسيم الوطن على أسس سلالية أو طائفية، وتؤمن بقدرة اليمنيين على بناء قائم على التنوع والتسامح، دون التخلي عن القيم الوطنية الثابتة.

فيما العمل على الحفاظ على الهوية اليمنية والتمسك بها، لا يعد مجرد موقف ثقافي أو سياسي، بل هو دفاع عن النفس وعن الكرامة، ضد محاولات العودة إلى حقب مظلمة. بل هو تصحيح لمسار التاريخ الذي يثبت أن اليمنيين، على مر العصور، كانوا في طليعة الأمم التي حملت مشعل الحضارة الإنسانية، وأنهم سيظلون كذلك، مهما كانت التحديات.

ولابد من الإشارة طبعا إلى أن الهوية اليمنية هي قيمة لا يمكن التنازل عنها أو التفريط فيها.

ولذلك فإن الشعب في تعز، بقيادته الحكيمة، ممثلة في د. رشاد العليمي ومحافظ تعز، أ/ نبيل شمسان، يعبر عن تمسكه بهذا المبدأ الراسخ في التربة اليمنية، ويستمر في مقاومته، على مختلف الأصعدة، لأية محاولة لاختراق هذه الهوية أو تشويهها.

و في 22 يناير، وفي قلب تعز، سيكون هذا المهرجان شهادة جديدة على قوة الوحدة الوطنية، وعلى تمسك الشعب اليمني بجذوره التي لا تمحى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى